قرأتَ خبرًا أثناء النهار وسبّب لك بعض الضيق، أو سمعت عبارة ألقى بها أحدهم في طريقك فأفسد عليك مزاجك، العديد من المواقف بإمكانها أن تؤدي إلى الطريق نفسه، وتسبب الغضب، وعلى الرغم ممّا يحيط بتلك الكلمة من معانٍ سيئة لما ارتبط بها من صدام وخسائر، إلا أنها ظاهرة صحية تستحث المرء لمقاومة أسباب غضبه، فهو إحساس مشروع طالما لم يتسبب في مخالفة لأعراف المجتمع والقوانين أو تسبب في ضرر للذات أو للآخرين .
ويتم تعريف الغضب بأنه حالة عاطفية تختلف حدتها من التوتر الخفيف إلى الثورة، يرافقها تغيرات تسبب تسارعًا في نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم والادرينالين، وذلك حسب الجمعية الأميركية لعلم النفس، ويمثل الغضب رد فعل طبيعي على الإحساس بالتهديد، فيعمل على تحفيز طاقات الإنسان للدفاع عن النفس، وتختلف ردود الأفعال تبعًا لاختلاف الثقافات والشخصيات والمراحل العمرية .
غضب المراهقة
يختلف الغضب في مرحلة المراهقة بسبب الإحساس بالخوف نتيجة القلق من مواجهة الحياة وهو الأمر الذي يواجهه الشاب أثناء توديع مرحلة الطفولة ومواجهة مرحلة جديدة تحمل معها العديد من التغيرات، وإلى جانب ذلك فهناك أسباب مباشرة منها : الاستغلال، والاكتئاب، والقلق، والصدمة، والمخدرات والكحوليات، وهي أمور تتفاعل مع ذلك الإحساس بالخوف والقلق العام المصاحب لتلك المرحلة، إضافة إلى أمر آخر وهو عناء البحث عن الهوية وملامح الشخصية .
ولمواجهة حالة الغضب المصاحبة لتلك المرحلة العمرية، على الشاب أن يتفاعل مع مجموعة من الأسئلة أوردها موقع الشبكة النفسية الأميركي، منها :
- من أين يأتي مصدر الغضب ؟ وما هو الموقف الذي تسبب في حدوثه ؟
- على ماذا/من ينصب غضبي الآن ؟
- هل أنا على إدراك بتأثير إشارات الغضب الجسدية واللفظية ؟
- هل تبدأ أفكاري بصيغة حاسمة، وبكلمات مثل "يجب"، "لا بد"، "مستحيل أن"؟
- هل توقعاتي غير عقلانية ؟
- ما المشكلة التي أواجهها هنا تحديدًا...؟
- هل الغضب يعزلني عن الآخرين ؟
- هل لدي مشكلة في التواصل الفعال مع الآخرين ؟
- هل أفكر في ما حدث معي أكثر مما أستطيع فعله ؟
بالتفاعل مع هذه النوعية من الأسئلة تكون البداية الحقيقية للسيطرة على حالة الغضب وإدارتها، والجدير بالذكر هنا أن دراسة صدرت عن جامعة ديوك الأميركية قد أثبتت صلة بين أمراض القلب في مرحلة متأخرة وسرعة الغضب في فترة المراهقة والشباب، وهو ما يمثل تنبيها للشاب أن يعمل على السيطرة على الغضب في مراحل مبكرة من عمره.
إدارة الغضب
وأفضل وسيلة للتعامل مع الغضب هي مواجهته عن طريق "إدارة الغضب"، وتقدم إدارة الغضب عددًا من الاستراتيجيات الواجب إتباعها بهدف إحكام السيطرة على الغضب والتحكم فيه، ومن أهم تلك الاستراتيجيات .
الاسترخاء :
أدوات الاسترخاء بسيطة وغير مكلفة، تنفس عميق، وبحث عن الهدوء، ومن المستحسن لمن يبحث عن أسس الاسترخاء السليم الاستعانة بكتابات حول هذا الموضوع لجني فائدة أكبر، وبوجه عام يمارس الاسترخاء، مع التنفس العميق، والتفكير في صور محببة إلى النفس، وتكرار عبارات معارضة للغضب.
اعادة البناء المعرفي :
الهدف من هذه الخطوة هو إعادة بناء طريقة التفكير، وذلك بالتخلي عن سلبيات كاستخدام ألفاظ حادة تعكس أفكار الشخص وتصوراته، وذلك بإيجاد صيغ بديلة أكثر تفاؤلاً ولطفًا، كذلك الابتعاد عن كلمات من نوعية "أبدًا" و"دائمًا" عند التحدث عن نفسك أو عن الآخرين، والابتعاد عن لغة التعميم .
كما أنه لا بد من الوعي إلى نقطة مهمة وهي أن المنطق يغلب الغضب عند المواجهة، ولصناعة هذا الوعي لا بد من إدراك أن لغة الغضب غالبًا ما تكون تبريرية... والتبرير هو لغة الأضعف ومن ليس لديه خطة .
مواجهة المشكلة :
قد تتسبب الصعوبات والمشاكل في استثارة الشخص وإدخاله في مصيدة الغضب، وللتغلب على هذا الموقف ليس على الإنسان أن يجد حلاً للمشكلة في كل مرة، فأحيانًا قد يغيب الحل.. أو يتأخر، وهو ما يسبب الإحباط والتوتر، لذا على الشخص في مثل تلك الحالات العمل على المشكلة ككل من خلال خطة، وعدم البحث عن حل فوري غير متوافر، كما يجب دراسة تقدم الخطة كل فترة، وذلك لمواجهة المشكلة بعملية وعدم الاستسلام للغضب الناتج عن غياب الحل .
التواصل السليم:
بعض الغاضبين يقفزون على النتائج، متجاوزين العديد من المراحل في التواصل مع الآخرين وإدراك أبعاد الموقف، وهنا يجب ممارسة فن الإنصات للآخرين والبحث في خلفية أقوالهم من أجل تواصل سليم وإيجاد مساحة مشتركة من الحوار.
حس الفكاهة :
الهدف من هذه الخطوة هو التخفيف من وطأة الموقف وليس التهوين أو الاستهزاء، فحالة الغضب تسيطر عليها الجدية، لذا يأتي حس الفكاهة و تشبيه الموقف المسبب للغضب بتشبيهات ساخرة ليخفف من التوتر والإحساس بالتهديد، ويعيد الشخص إلى ساحة التفكير .
تغيير المكان:
أحيانًا ما يكون تغيير المكان وأخذ قسط من الراحة، وتبديل الوجوه مفيد في تنمية القدرة على إدارة الغضب، وذلك عقب الابتعاد عن مصادر المشاكل أو الإحباط، كما أنه يعطي فرصة لتجديد النشاط الذهني.
كما انه لا بد من فترات راحة أثناء اليوم لممارسة الاسترخاء أو زيارة أماكن جديدة وذلك بهدف الخروج من سيطرة الغضب.